الأزمة السورية: وانعكاساتها على أطياف الداخل
التركي ...!!!2-2
انعكست الأزمة السورية ورمت بظلالها على
الحياة التركية الداخلية بسبب ترابط الملفات في الدول المجاورة وقدرة النظام السوري من استخدامها وتحريكها بوجه الدول المجاورة والتي كان يهدد
بها وأنه سوف يشعل المنطقة بكاملها بحال تعرض نظام دمشق للخطر .
اليوم تركيا تشعر بخطر الأزمة السورية أكثر
من أي وقت مضى نشرت صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 24 تشرين الأول 2012 تقريرا حول
استطلاع للرأي التركي أجره مركز استطلاع الرأي التركي "ايدام " والذي
ينص بان و51 بالمائة من العينات التي تم استطلاعها لا تحبذ التدخل التركي بالشؤون
السورية الداخلية وعلى تركيا أن تلعب دورا وسطيا ومحايدا بين طرفي الصراع . ان
تركيا التي تدعم المعارضة السورية وتأوي الجيش الحر على أراضيها ترى اليوم أنها
أمام مشاكل داخلية عكستها الأزمة السورية
على الحياة التركية . فالمشاكل التي تعانيها
تركيا متعددة من أبرزها :
1-المشكلة العلوي:
لقد
فشل حزب العدالة والتنمية بإيجاد حل عادل للمشكلة العلوية التي لاتزال مستمرة منذ تأسيس
الدولة الحديثة ،فالعلويين البالغ عدده 16 مليون علوي ،منهم مليون ونصف عربي علوي
حسب إحصاءاتهم الخاصة يتخوفون من أسلمت الدولة
بسبب سياسة حزب العدالة التي يتههم بتذويب منظم لهم من خلال تمزيق هويتهم
المذهبية ،فالحكومة التركية تعتبر مشكلة العلويين مشكلة ثقافية بينما العلويين
وخاصة الأتراك يعتبرون نفسهم ديانة خاصة يجب الاعتراف بها دستوريا ودينينا .
وهنا بدأت تستغل قضية العلويين من الخارج:
1- أوروبيا بعد المظاهرة الكبرى للعلويين في
لوكسمبورغ والخوف الأوروبي على حقوق الإنسان مما يضعف ورقة تركيا التفاوضية في
الدخول إلى البيت الأوربي .
2-محاولة استغلالها سوريا وإيرانيا ،للورقة
العلوية في إطار الحرب المذهبية للضغط على سياسة حزب "العدالة والتنمية"
داخليا .
3- الخوف الدولي على الأقليات في دول الإسلام
السني . لكن العلويين الأتراك وخاصة العرب لن يكونوا كبش محرقة لنظام الأسد ويضع
نفسهم في معركة خاسرة مع أطياف المجتمع التركي والسني العالمي .
2-الورقة الكردية :
تبقى
القضية الكردي القضية الاكثر صخبا وتأثير على سياسة تركيا وتحركاتها الداخلية والخارجية،
ببغض النظر عن الحزب الذي يسيطر على السلطة. فالقضية الكردية هي موضوع صراع بين
القوى الكردية التي تطالب بالانفصال، والحكومات التركية التي تعارضه وبخاصة مع رفع
سلاح القوة الكردية التي يمارسها حزب العمال
الكردي من خلال إعلانه الحرب الشعبية المسلحة والذي يقبع زعيمه عبدالله
اوجلان في السجن منذ العام 1999. والجدير ذكره بان اوجلان من الطائفة العلوية
الكردية .
فالأكراد
اليوم يحاولون فرض دولتهم الجديدة من خلال التغير الجيو -سياسي الذي تم فرضه في
العراق وأنتج إقليم كردستان العراقي المستقل واليوم بواسطة النظام السوري الذي سلم
شمال شرق سورية إلى قوى حزب" العمال الكردستاني" السوري المعروف "بالاتحاد
الكردستاني" فالدعم الكردي العراقي والسوري يشكل خطرا حقيقيا على تركيا من
خلال إدخالها في لعبة المحاور المشتعلة في مواجهة حلم الكرد التاريخي. .
لكن هذا
التريث التركي في التعامل مع الأزمة السورية ما هو الا محاولة جديدة من الدبلوماسية التركية تعرف
بفن تدوير الزراية، التي لا تشكل
منعطفا خطيرا في السياسة التركية من
الأزمة السورية التي حاولت تركيا لعب دور الوسيط
فيها منذ بدايتها.
3-مشكلة
المعارضة والعسكر :
1- يتعرض حزب "العدالة والتنمية"
لأشد حملة إعلامية من قبل المعارضة التركية وتحديد من حزب "الشعب" المعارض الذي
يسعى الى تبيت شعبيته وترسيخها وبخاصة من
عدم رضي المعارضة وشريحة كبيرة من الجماهير التركية على سياسة حزب "التنمية والعدالة" وتعامله
مع الملف السوري لعدم الحسم أو الخرق الايجابي . فالمعارضة تحاول أن ترسل رسالة واضحة الى اردوغان :"الحذر التام من التدخل في
الشأن السورية والبقاء على الوسط من فرقاء الأزمة ، وتصف مواقفه المتقلبة من الأزمة السورية بالفشل الدبلوماسي والسياسي"
.
2- ليس خافيا على احد بان تركيا تخوض صراعا كبيرا داخليا يتمثل بالمؤسسة
العسكرية وخاصة المحاكمات الأخيرة للعسكريين البالغ تعددهم 365 ضابطا رفيعا على
اثر محاكمتهم بتهمة محاولة انقلاب عام 2003. فالصراع الشرس التي تشهده تركيا بين
المؤسسة العلمانية الحامية لتراث الجمهورية الكمالية والحزب" الاردوغاني" الذي يحاول ان
يفرض سيطرته على حساب المؤسسة العسكرية كدولة مدنية يترأسها حزب إسلامي، فالحزب
يقدم نفسه من اجل الانضواء في البيت الأوروبي من خلال ترتيب بيت تركيا الداخلي، وتقليل
السلطة العسكرية التركية وتقديم نفسها على
كونها دولة مدنية .
لكن لايزال الطيب رجب اردوغان رجل تركيا
الأول والذي ويستطيع اتخاذ كل القرارات المصيرية والتي يتم تغطيتها داخليا، لكن
المعارضة التي تحاول من خلال شن الحمالات عليه وعلى حزبه وعلى سياسته تأتي من باب تصغير
قدرة اوروغان عند ترشحه الى رئاسة البلاد في العام 2017 ومنعه من أن يصبح سلطانا
عثمانيا قويا جديدا في محاولة لتفشيل سياسته الخارجية وربطها بملفات كبيرة داخلية
لم تحل منذ تأسيس الدولة العلمانية الاتاتوركية الحديثة .
لكننا نبقى أمام مشهد تركي سياسي يحمل الكثير من بالمفاجآت التي ستعيشها تركيا و"حزب
العدالة"، في أثناء هذه المرحلة
الحرجة للجميع وليس لتركيا ،فالشهور القادمة سوف تكون الشاهد الحقيقي على
سير السياسة التركية ومكان تموضعها الحقيقي
.
نقلا عن جريدة الرواد اللبنانية بتاريخ
12تشرين الثاني " نوفمبر2012"صفحة 14
د.خالد ممدوح العزي
كاتب وباحث مختص بالإعلام السياسي والدعاية
dr_izzi2007@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق