السبت، 3 ديسمبر 2011

خريطة البرلمان الروسي القادم، ودور حزب السلطة فيه.

خريطة البرلمان الروسي القادم، ودور حزب السلطة فيه.

انتهت اللجنة المركزية للانتخابات في روسيا الاتحادية، من التحضيرات النهائية لإجراء انتخابات مجلس النواب الـ"دوما"، لدورته السادسة، المحدد اجرائها 4 ديسمبر المقبل. تشترك في الانتخابات البرلمانية 7 أحزاب روسية، تمثل الأطياف السياسية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وفي 81 مركزاً انتخابيا، والتي لا تختلف في ببرامجها الانتخابية، بعضها عن بعض وكأنها نسخت عن بعضها ،تتركز على ثلاثة مطالب اولوية تعزيز دور الروسي في العالم، بناء الدولة الروسية الحديثة، ومحاربة الفساد والرشوة ، والبيروقراطية في اطياف المجتمع الروسي الذي يكاد ان ينخر جسم الدولة، ولكن البرامج تجتمع كلها بميزة تعزيز دور الدولة وحياة المواطنين، ويلاحظ تحرك نشط من قبل الحزب الحاكم "روسيا الموحدة" في التحضير للانتخابات ، من خلال تقديم اسماء مهمة لشغل مناصب حيوية في الدولة القادمة .

فان هذا النشاط المميز لـ"روسيا الوحدة"، يقوم على إحساس الحزب بالاستياء الجماهيري من الحياة السياسية الداخلية ،والغضب العام بسبب تأثير الازمة الاقتصادية والاجتماعية على نفوس المواطنين الروس، الذين وقعوا تحت اعبائها القاسية ، فروسيا فالشعب الروسي يعرف جيدا تأثير الازمة الاقتصادية عليه ،فهو الذي عانى من تدهور الاوضاع المعيشية والاقتصادية في فترة انهيار الاتحاد السوفياتي السابق وفي ظل حقبة الرئيس الراحل ق بوريس يلتسن، حتى دخل في زوبعة الأزمة الاقتصادية العالمية في العام 2008، والتي مازالت أثارها تسيطر على مفاصل الحياة الروسية.



فالدعاية الانتخابية الذي يمارسها حزب السلطة الحاكمة في روسيا "روسيا الموحدة" تقوم على الانجازات التي تم تحقيقها في الفترة السابقة وخاصة بظل وصل فلاديمير بوتين إلى منصب الرئاسة في العام 1999، وخاصة في مجال بناء الحياة الاقتصادية المتدهورة ورفع الاجور، وتامين السكن وصرف الرواتب ورعاية الطفولة والأمومة والاهتمام بالشؤون الاجتماعية والصحية وغيرها مما افتقدها المواطن الروسي بظل حركة التغير والاتجاه نحو السوق الحر . لكن المشكلة الكبرى التي وضعت نفسها امام حزب السلطة والتي تعتبر من المشاكل المستعصية ولم يكن بمقدوره تجاوزها، هي مشكلة الفساد الإداري، والرشوة بين الموظفين والبيروقراطية ، ما يجعل الاقتصاد الروسي مهدداً بتقلبات سوق الازمة العالمية والتأثر بمستقبل الازمات الخارجية .

يتكون الحزب الحاكم في روسيا من مجموعات مختلفة التكوين الاجتماعي والسياسي والفكري ،لكون الحزب يعتمد على القيادات الإدارية في جهاز الدولة والجيش وقوى الأمن وكبار الموظفين في المقاطعات والأقاليم الروسية المرتبطة مصالحهم مع العامل الإداري للدولة، والذين يكونوّن "البرجوازية البيروقراطية" في جهاز الحكم.

وتضم "روسيا الموحدة" في صفوفها عدد كبير من عناصر البرجوازية الروسية الجديدة، التي أفرزتها عمليات الخصخصة خلال السنوات العشر الماضية، ما يجعلها بطبيعتها الطبقية قريبة من مصادر القرار الاقتصادي في البلاد.

ويقدم حزب "روسيا الموحدة" مرشحيه للانتخابات البرلمانية في مجمل المراكز الانتخابية، ويعمل على الحصول على أعلى نسبة من مقاعد مجلس الدوما، وهذا ما أكد عليه رئيس الحزب فلاديمير بوتين في ختام مؤتمر الحزب في 27 تشرين الثاني "نوفمبر"2011، حين أوضح أنه على الحزب أن يحتل أغلبية المقاعد التي من شأنها تسهيل اتخاذ القرارات المناسبة، كي "لا نصل إلى الوضع الذي أوصل بعض الدول الأوروبية" للأزمات الإدارية نتيجة كوابح دستورية.



بالرغم من كون الاعلام والخبراء الروس والمحللون و مراكز استطلاعات الرأي الشعبي في روسيا، تقول بان نسبة الإقبال على الانتخاب القادم سوف تتراوح من 52 إلى 55 بالمائة من الذين يحق لهم الانتخاب، و أن حزب "روسيا الموحدة" سيحصل على ما نسبته من 52 إلى 57 بالمائة من مقاعد البرلمان.



و حصول "الحزب الشيوعي الروسي" المعارض لحزب روسيا الموحدة على نسبة تتراوح ما بين 16 و20 بالمائة من المقاعد البرلمانية، ويحتل المرتبة الثانية لعدد النواب كما هو معهود دوما

ويدخل الشيوعيون الانتخابات البرلمانية وفق برنامج سياسي واقتصادي اجتماعي لتحسين حياة المواطن الروسي بظل سيطرت الشجع المالي من قبل الروس الجدد الذين يسيطرون على حياة روسيا الحالية وبتواطؤ من النظام الروسي .

قدم الشيوعيون برنامجهم الانتخابي في مؤتمرهم العام في 24 اب اغسطس الماضي من خلال التركيز على 5 نقاط أساسية تواجه روسيا، وهي: "الفقر الكبير الذي يسيطر على معظم الشعب الروسي 95% من الفوارق الطبقية"، و"التغيرات الديموغرافية التي تفرض نفسها على روسيا "، و"انهيار الاقتصاد المبرمج من قبل رجال المال الروس للسيطرة على مواد الخام الطبيعية"، و"فقدان القدرات الدفاعية وخسارة الحلفاء"، و"الانهيار الأخلاقية والروحية للقيم الروسية ".



يعتبر الشيوعيون بان روسيا حلقة ضعيفة في السياسة الخارجية وضرورة توسيع حلقة حلفائها في العالم ، وتعزيز دور منظمة الأمم المتحدة، والحد من تأثير حلف شمال الأطلسي "النيتو" في مناطق نفوذها. ويرى الشيوعيون الذين لا يختلفون عن طموح الرئيس بوتين اتحاد للشعوب المتاخمة لروسيا ،وتطوير الجيش الروسي والصناعات الروسية العسكرية والكبيرة، والشيوعيون من خلال فكرتهم الاقتصادية الثابتة يروى بضرورة تأميم الشركات والمرافق الحيوية الروسية الرسمية اضافة الى قطاع الخدمات العامة والصناعات الكبيرة والحربية .

ويتطلع الحزب الشيوعي الروسي إلى إطلاق عملية التصنيع المتجدد لروسيا الاتحادية، وإحياء الريف وتحديد الأسعار، وتخليص المواطنين الروس من معدلات الفائدة المرتفعة على القروض السكنية، وإعفاء المواطنين الفقراء من الضرائب، وتأمين التفاعل بين العلوم والإنتاج، وكذلك العودة إلى التجربة السوفيتية في تطوير مختلف أصناف المواصلات.



الحزب الشيوعي لايزال يرتكز على قاعدة انتخابية تشمل بقايا أعضاء الحزب الشيوعي السوفياتي، الذين يصل تعدادهم إلى 2 مليون شخص، وعلى فئات امن المجتمع الروسي تحيش تحت خط الفقر تحلم بالعودة الى الماضي في المدن الروسية البعيدة والريف الروسي، المتضررة من اقتصاد السوق وهيمنة الرأسمال الطفيلي.



اضافة الى الحزب الديمقراطي الليبرالي المركز الثالث في الانتخابات النيابية، كونه يميل في دعاياته السياسية إلى أخذ دور المدافع عن القومية الروسية وعن مقومات الثقافة الروسية، مبدياً تطرفاً قومياً خفيفاً ضمن مناوراته السياسية، كونه يفتقد إلى قاعدة إيديولوجية معينة، وبالتالي حزب " فلاديمير جيرينوفسكي "كما بات يعرف في روسيا والعالم ، لا يختلف كثيرا في طرحه العام عن حزب السلطة والذي يشكل احدى دعائم الكريملين في تنفيذ سياستها .

تتكون القاعدة الشعبية لهذا الحزب من ممثلي المال السياسي، ورجال الأعمال المتوسطين والكبار، ومن عناصر البروليتاريا الرثة والعناصر القومية والفوضوية في الأقاليم والريف الروسي.

ومن المتوقع الحصول على نسبة 9 - 12 بالمائة من المقاعد في البرلمان.

اما حزب "روسيا العادلة" ، ويقدر عدد المقاعد التي يمكن أن يحصل عليها بما لا يزيد عن 7 - 10 بالمائة من المقاعد. لقد احتل امينه العام "سرغي ميرونوف" والذي شغل منصب رئيس مجلس الشيوخ سابقا، ويتشكل الحزب من ثلاثة احزاب قومية ويسارية ليبرالية.

فان مهمة حزب "روسيا العادلة" تقوم على جذب الاصوات الروسية اليسارية، والاشتراكية والقومية فكان الفضل في تأسيس هذا الحزب هو الرئيس فلاديمير بوتين من خلال مساعدة ابن مدينته بلعب هذا المنصب ،لقي يحاول في انتاج قوى حزبية يمنية ويسارية تمارس اللاعبة الانتخابية وكي لا تذهب هذه الاصوات بعيدا عن اصوات الكريملين ..

اما برنامج "روسيا العادلة" فهو برامج إصلاحي يصب في مصلحة الفقراء والمتقاعدين، وإلى بناء "الاشتراكية دون الستالينية".

ومن الاحزاب الروسية التي تخوض الانتخابات ولكنها لن تعبر نسبة 7 بالمائة حسب القانون الروسي ، الذي يسمح لها بالدخول البرلمان، حزب يابلوكو "التفاحة" يراسه الاقتصادي "يفغني يفلنسكي"، يمثل الفئة المثقفة في المدن الروسية، والتي أفرزتها تداعيات " البريسترويكا" و حرمت من الدخول للبرلمان طوال ثلاثة مراحل لعدم تمكنها من الحصول على نسبة 7%، هذا الحزب يمني ليبرالي ذات توجهات اقتصادية برجوازياً يدعو لإعادة الرأسمالية الروسية بطابع ديمقراطي غربي، ما يجعله يفتقد للقاعدة الشعبية الواسعة وحسب الاستطلاعات سيحصل الحزب على نسبة 2%

كما يشارك في الانتخابات البرلمانية حزب "وطنيو روسيا"، الذي يقدر حصيلة نشاطه بأقل من 1 بالمائة، نظراً للشكوك لدى الناخب الروسي بأنه حزب مشكل من قبل أجهزة الدولة لخلق البلبلة في صفوف اليساريين، وهو يستند إلى بعض العناصر الخارجة من أحزاب اليسار نتيجة الانشقاقات والوقوع في أحابيل الأجهزة الأمنية.



اضافة الى "حزب العمل اليميني"، الذي يمثل اليلتسنية الجديدة، والمستند إلى طبقة الكومبرادور الروسي والطغمة المالية وأصحاب البنوك في روسيا.

وتتركز سياسة هذا الحزب بالانفتاح الاقتصادي والسياسي على الغرب والدخول في تحالفات قومية للسيطرة على الأسواق العالمية. ويواجه حزب "العمل اليميني" رفضاً شعبياً عاما، كونه أوصل البلاد أبان حكم الرئيس الراحل بوريس يلتسن إلى حافة الهوة ،وانهيار اقتصادي واجتماعي مذري، مما هدد وحدة الشعب الروسي وأراضيها ، و أفقر الشعب نتيجة استخدام مصطلح الخصخصة، التي تميزت بالنهب والسرقة طوال الحقبة السابقة لهم في ادارة الدولة.

لكن كل الدلائل والاشارات تشير الى فوز حزب روسيا الموحدة وتمكينها المريح من الحصول على نسبة كبيرة من الاصوات التي تسمح لها بتشكيل حكومة قادمة تدير بها شؤون البلاد، وتأهلها من طرح مرشحها القادم لرئاسة البلاد.

د. خالد ممدوح ألعزي

كاتب إعلامي، مختص بالشؤون الروسية ودول الكومنولث .

dr_izzi2007@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق