الاثنين، 10 ديسمبر 2012

روسيا البيضاء وسوق العمالة العربية...!!!(2-2)


روسيا البيضاء وسوق العمالة العربية...!!!(2-2)
نجد ان الكثير من العرب التي فرضت عليهم  الظروف الحياة  ، للاستقرار في روسيا البيضاء لا سباب مختلفة، و نجد ان قليلا منهم استطاع ان يشق طريقه بنجاح ، فمنهم من اصبح من رجال الاعمال و التجار ، و اخرين استطاعوا ان يثبتوا انفسهم ببعض الوظائف الحكومية ، مثل الاطباء او المهندسين او في مجالات اخرى  و لكن العدد قليل جدا  قياسا بنسبة ابناء الجالية العربية في روسيا البيضاء ، السؤال الذي يطرح نفسه بقوة اليوم  اين ذهب الاخرين؟ و كييف يتدبر أمورهم الحياتية ؟، لقد اضطرت الغالبية العظمي للعمل بالأسواق، او المطاعم او في اكشاك الشاورما ، فالعمل ليس  بعيب ، بل نجدد كل احترام لمن يسعى لتحصيل لقمة العيش و لكن ماهي  الظروف التي يعمل بها هؤلاء العمال و اليات حمياتهم ووضعهم الانساني.

من خلال معرفتي بسوق العمل الضيق في روسيا البيضاء على مدى سنوات طويلة عشتها في هذا البلد الجميل ،اينما ذهبت الى الاسواق (البازارات) في المدن الكبيرة مثل مينسك ، فيتبسك ،غرودنا ،غومل ،برست ، فنجد الوجه العربي بالسوق ، حيث يشتهر ببيع الحمضيات او البالة (السكند هاند) او بعض الالبسة و الاحذية المستوردة، ومواد التنظيف الكيميائية ،والاشياء الصينية و تسمع صراخ الباعة العرب لاجتذاب الزبون ترتفع من هنا ومن هناك ، و لا وقت للجلوس او الحديث الودي مع الاخرين بسبب ضيق الوقت وكثرة الزبائن .
لكن في اثناء وجودي السريع على العاصمة مينسك ، وجولاتي على العاصمة الروسية موسكو وسانت بطرسبورغ والعاصمة الاوكرانية كييف  العاصمة  البيلاروسية مينسك ، و خبرتي  عن مغريات العواصم والمدن الكبرى  و مدى جدبها  للإنسان  ،واثناء وصولي الى هذه المدن اذهب مباشرة الى اسواقها التي تختزن العديد من الاصدقاء القدماء من مختلف الجنسيات العربية الذين قرروا البقاء في اماكنهم رافضين العودة الى بلادهم فأيام الدراسة كانت غنية جدا بالتعارف على الوجوه العربية المشرقية والمغربية ،
  اليوم عندما قررت السفر الى العاصمة البيلاروسية مينسك قررت البحث عن صديقي القديم  ، دكتور الجراحة القلبية في اسواق المدينة  المليئة بالأكواخ والاكشاك والتي تشك تجارة الاكل السريع جزاء لا باس به من تجارة هذه الاسواق  فالقهوة كثيرة ورائحة الشاورما تفوح من كل باب وصوب ،القهوة كثيرة ومتنوعة عربية وتركية وقوقازية ،لكن العرب هم مازالوا يحتكرون تجارتها ويرتزقون منها ، والتجول الكثير اهتديت في اليوم التالي على مكانه او المحال الذي يستمره في تجارة الشاورما ، وجدت صديقي العزيز و بعد ساعات اهتديت الى مكان عمله ، وجدته في احدى حوانيت السوق صاحب قهوة لبيع سندويش الشاورما  ،تحدث معه وشاهدة عمله في القهوة او البار الصغير ونظرت الى العمال العرب والروس الذين يعملون على سيخ الشاورما  تلقيت الضيافات  واحتسينا القهوة والشاي وذهبنا حديث الاخبار طويلا ،، وبعد  كل شيء ،خرجت لا تجول في السوق بعد  تحديد موعدا جديد لمقابلته في اليوم التالي ،خرجت من البار متجها للبحث عن اصدقاء اخرين  و لكن كانت المفاجأة لي  كبيرة ، عندما وجدت صديقا اخرا في هذا السوق في حانوت لبيع الملابس القديمة  بائعا في سوق البالة ،مهندس الميكانيك  السوري  يصرخ بأعلى صوته و يحمل بيده بعض الملابس لعرضها على الزبون، قررت ان انتظر قليلا و اتصلت به تلفونيا و هو لا يراني ، فنظر الى الرقم و لم يجيب ، و لكني التمست له الان العذر، و اخير وصلت اليه وبعد السلام قلت له لا تعتذر فهمت كل شيء ، ولكن المحزن كان يكلمني و يلتفت من حوله و فهمت انه يخشي توبيخ مسؤوله لا نه يضيع الوقت بأمور ليست للعمل، و اختصارا سالته متى تنهي العمل؟ فقال في السادسة مساء فقلت له سأعود اليك بالسادسة
و عند اللقاء بالسادسة ، فهمت انه لا يعيش لوحده بالبيت بل يستأجر غرفة مع المرآة مسنة و لا يستطيع ان يدعو احدا اليه ، فقلت له انت الليلة ستكون في ضيافتي ، و اشترينا بعض الحاجيات و ذهبنا للبيت، بالطريق اخد يحدثني لاتزعل مني ، هذا حالنا، انهض من السادسة صباحا تكون الدنيا ظلمة بالشتاء و ها نحن نعود بالظلمة، و اركب من بيتي الباص ثم المترو كي اصل بالوقت المناسب، و ابدأ بالعمل ، علينا بالصراخ طوال اليوم ، حتى الفت انتباه الزبون، يجب ان اقنع الزبون باي طريقة، لا يوجد كرسي نجلس عليه و ممنوع الجلوس، لا تدفئة بالشتاء، لا يوجد موعد للغداء، لا توجد عطلة اسبوعية، ان تذهب لدورة المياه لقضاء حاجتك هذه ام المشاكل، فقاطعته و لماذا لا تطلبون تحسين ظروفكم، فضحك بقهر و قال تحسين ظروفنا اللي "مش عاجبه الله معه في مكانك عشرة ينتظرون "و باقل من اجرتك  ويوميتك، فقلت له لكن صاحب العمل عربي و مسلم مثلك قال نعم و لكن هذه ظروف العمل بل اقول لك ان صاحب العمل لا يقطع فرضا بالمسجد ، و من اهل الخير ،و لكنها لقمة العيش
و صلنا للبيت و بدأت احضر الطعام و شاهدته وهو يبدل ملابسه ، كم بنطلون داخلي يلبس، كم جراب يلبس، كم سترة من الصوف ، و الأدهى من ذلك كم كنت  قدماه متورمتان، و بينما نحضر الطعام نظرت اليه الا هو نائم، فقمت بإيقاظه و لكنه اراد النوم ، و لكني رجوته و قلبي يتقطع حسرة، فاكل معي قليلا و قال اليوم استطعت ان اوفر شيئا من الراتب ،لان عشائي براني، اما الراتب فيضيع نصفه خلال النهار من شرب  الشاي و قهوة و المأكولات ، و النصف الاخر ادخاره للسجائر و اجرة البيت الذي اعيش فيه .
وفي اثناء اقامتي السرعة في مدينة منسك كنت المفاجأة كبيرة حيث وجدت اصدقائي ومعارفي من الدول العربية المختلفة التي تسني لي سابقا التعرف عليهم او دراسة سنة التحضيري للغة الروسية في معاهد مينسك الحكومة لجمهورية بيلاروسيا والتي ربطتني بهذه الدولة علاقة وطيدة لأسباب خاصة، بالرغم  من دراستي الطويلة في معاهد روسيا الحكومية واكبر مدنها "موسكو وسنتبطرسبورغ "، والتي لا تختلف حياة الطلاب العرب نهائيا عن احوال اصدقائي في العاصمة البيلاروسية الذين ينتشرون في كافة بازارات المدن الروسية والاوكرانية .
فالشاورما هي مصدر رزق العمالة العربية الصغيرة والمبتدئة بالعمل والعمال القادمين لهذه الدول املا بالهروب الى دول اوروبية اخرى ،فالشاورما تبقى الوصفة العربية الخاصة التي لا يزال يحتقرها العرب في هذه الدول وخاصة بطريقة استخدام البهارات العربية والخبز "المرقوق" الذي يستبدل بالخبز الارمني "لافاش " وطريقة الفة العربية للرغيف الذي يمكن أي اجنبي من لف الرغيف "وهذا ما يمز سندويش الشاورما العربية عن "الدونار" التركي .
طبعا هذه الحالة في مينسك لا تختلف عن الاحوال الاخرى في عواصم دول الاتحاد السوفياتي السابق المليئة بالعمالة العربية وخاصة  من ذوي الاختصاصات العلمية  العالية  التي لم تتمكن من العمل في اختصاصاتها العلمية التي تلقتها اثناء درستها في هذه الدول الاجنبية ،والتي اضحت يدا عاملة في اسواق العواصم السوفياتية الصديقة.
د.خالد ممدوح العزي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق