الأربعاء، 22 يونيو 2011

الرئيس الأسد: إطلالة منتظرة، و خطاب غير موفقة ...!!!

<الرئيس الأسد: إطلالة منتظرة، و خطاب غير موفقة ...!!!
وأخيرا اطل الرئيس بشار على الجماهير السورية والعربية، التي انتظرت بفارغ الصبر إطلالته الثالثة ،نظرا لما كان يتأمل الجميع فيها من إطلالة مميزة، وطرح جديد "من تقديم مبادرة وطنية تنقض سورية من حرب أهلية تكاد تمزقها وتفككها ،وترمي ثقلها على دول الجور. الجميع انتظر قرارات جدية وحاسمة في معالجتها للازمة والوقوف على عمل الأجهزة الأمنية التي تحاول جر سورية إلى شفير الهاوية. الجميع انتظر الإطلالة الثالثة للرئيس بمخاطبة شعبه ومصارحته بشكل عفوي والوقوف أمام المشكلة الحقيقية التي تسيطر على سورية ،وعلى كيفية الخروج منها،من خلال جملة قوانين جديدة تأسس على أساسها إلى تهدئة فعلية. الجميع تأمل من خطاب الرئيس العلاج بالصدمة التي تقوم بجملة من القرارات السريعة التي يتخذها الرئيس" كسحب الدبابات من الشارع وإعادة الجيش إلى الثكنات، وإطلاق المعتقلين،والسماح للمظاهرات السلمية دون التعرض لها ،محاسبة بعض الرموز الذين ورطوه في أزمة داخلية ،وأيضا إقالة أشخاص من الأجهزة الأمنية كان لهم الدور المشبوه في سير الأحداث السورية.
لان هذه الطروحات الأولية التي يمكن أن تأهل فعليا لطرح قضايا كبرى من خلال إعادة الثقة بالنظام والرئيس بعد الأحداث التي عصفت بها سورية ، لقد لعبت قيادة الأجهزة الأمنية دورا بارزا في تأجيج هذه الحالة ،وفقا لعقلية أمنية قديمة تسيطر بها على سورية وشعبها. لكن الرئيس وقع أسير طرحت الأجهزة الأمنية من خلال تشخيصه للمشكلة الأمنية بكونها مشكلة أمنية والإقرار بوجود عصابات مسلحة إرهابية تعمل على تخريب سورية، لقد انطلق الرئيس في تحليله من خلال تقسمه للشعب السوري إلى ثلاثة فئات ،وكأن المشكلة السورية مجرد مشكلة خبز ومأكولات، أيضا اتهم الشعب السوري بأنهم فئة ظلة تسيطر عليهم فئة إرهابية تكفيره تحاول إعادة سورية إلى القرون الماضية،لقد مهد الرئيس بذلك إلى طرح فكرة الصراع الطائفي في سورية ،والقسم الثالث من الشعب السوري هم مجموعة من المجرمين الذي يلاحقهم القانون ولم يكن يعرف بهم .
لقد أتى هذا الخاطب والعالم كله كان ينتظره بفارغ الصبر، بعد أن ارتفعت اللهجة الدولية مع سورية وتحذير أردوغان للنظام السوري، لكن هذا الخطاب الذي يأتي بظل انتشار رقعة المظاهرات في المدن السورية والتي لم تنتظر الانتظار فكان الرد السريع على الخطاب من خلال الخروج إلى الشارع التي لم ترض على هذا الطرح، لقد خيب خطاب الرئيس الآمال السورية والعالمية، لكون الدكتور حاول تفسير المشكلة بالطريقة الطبية، كونه طبيب يستطيع تشخيص الإمراض ،لقد شخص مرض سورية بأنها مجمعة من الجراثيم التي تنتشر بسرعة في الجسم السوري والتي تتطلب فورا القضاء عليها،فكان استعمال الدبابات والأسلحة الثقيلة والمروحيات،التي أدت إلى القتل والبطش والفتك والحرق،والتهجير.
لقد فلسفا الرئيس الأسد المشكلة ودخل في عالم المثل ليعطي معاني غير مفهومة لمطالب محقة وواضحة لحل الأزمة العالقة بين النظام والشعب،لكن الفلسفة هذه المرة لم تفيد ولم تعطي مخرجا بل زادت الهوة بين الأسد والشعب،مما سمح للمجتمع الدولي بان يرفع الصوت مجددا بوجه الأسد والذي لا يزال مطالبا بخروج مشرف من الأزمة السورية، كما حددت تركيا له أيام معدودة لتطبيق إصلاحات سريعة، دون اللف والدوران كما هو معهود للأسد" أي تحويل الأقوال إلى أفعال .
لقد خيب الأسد الآمال من خلال هذا الخطاب الذي شرح فيه الكثير دون التوقف على حلول جذرية ،لقد أضاع الفرصة التي كانت الأخيرة التي انتظرها الشعب والعالم، بعد أربعة شهور من الانتظار، لكن الرئيس الأسد خروج من قصر المهجرين لردم الهوة وإعادة الثقة مع الشعب الذي ادعى بان الشعب يحبه ويرحب به ، لكن السد اخفق والشعب الذي انتظر كلمة الترحم على شهداء سورية الذين سقطوا برصاص أجهزة الأمن والشبيحة، لم يسمع للرئيس ولم تصدر عنه كلمة اعتذار لأهالي الأطفال الذين تم ذبحهم عنوة، لم يصدر إي اعتذار للمدن التي تم احتلالها ،ولا إلى النازحين الذين هجروا عنها قصرا إلى الدول المجاورة.
كم أحوجنا إلى كلمة رئيس سابق،" مصطلح جميل في قاموسنا العربي السياسي"، لكوننا نفتقد فعليا لهذا المصطلح في العالم العربي، لقد أضاع الرئيس بشار الأسد الفرصة التاريخية التي كانت بحوزته للخروج من الأزمة منتصرا على الجميع ،وان يكون "أبا روحيا" للإصلاحات السورية ،ومؤسس دولة سورية الجديدة حتى لو أدى ذلك إلى التخلي عن سدة الرئاسة لان الكرسي ليس اغلي من الدم السوري.
لقد تكلم الرئيس عن الحلول المربكة التي يحمل وزرتها منذ العهد القديم بطرق مختلفة وملتوية " فلسفيا ،وسياسيا وطبيا"دون أن يطرح حلول جذرية لاستئصال العطب والمرضى الذي إصابة به سورية ،لكن الرئيس اقر بوجود مشكلة جدية وخطيرة تعصف بسورية وقد تدوم لفترة من الزمن، ويكون الاقتصاد السوري احد ضحاياها ،بالرغم من اعترافه المتأخر بالأزمة السورية،غاب عن ذهنه توجيه دعوى صريحة لشباب ثورية ربيع سورية الذين يديرون سير الحركة الاحتجاجية السورية ،عبر منسيقيات الثورة السورية،ولم يمد يده لهم بالرغم من دعوته الصريحة ، للحوار الوطني الذي يحاول تشكيل أسسه وتحديد نوعيته وأشخاصه.
لايزال الرئيس يفكر بحلول ومشاريع، يفكر بطرحها فيما بعد من خلال تشكيل لجان تحاول الدراسة وإعطاء الاقتراحات ، وكأن الأزمة السورية زوبعة في فنجان .
لذا كان الخطاب مرفوض من الجميع الشعب نزل على الأرض،دون دعوة من الخارج كما يصف الحالة بان يد التخريب تعصف بسورية ،وكذلك رد فعل الدول الأوروبية الذي أتى سريعا ليعبر عن يأس من هذا الخطاب "المعكوف" الملتوي الذي يحاول الالتفاف على الأمور.
لقد اعتمد الرئيس الأسد خطاب التحدي والتصعيد مع المجتمع الدولي من خلال الخطاب الأمن الذي يسيطر على القادة السورين ،باعتبارهم صمدوا في السابق ضد المجتمع الدولي ونجحوا في التحدي ،واليوم يمكن فعل ذلك لكن السوري لم يقرءا التغيرات الداخلية السورية والخارجية والإقليمية ،لقد وجه الرئيس في خطابه كلمات التحدي إلى تركيا وأمريكا ،لكن الموقف التركي هو الذي سوف يغير كل العلاقة الدولية مع نظام الأسد.
فالاتكال على الموقف الروسي لا يساعد النظام السوري يا سيدة الرئيس ، فالروسي يعمل على إدخالك في حائط مسدود ،بناءا على تشددكم في استعمل العنف المفرط ضد الشعب ،وبناءا لجرعات التأيد الذي يتلقها نظامك ،ولعدم السماح للعالم الحر باتخاذ موقف أممي يدين نظامك،ويحد من بطش قواتكم المفرط ضد الشعب السوري.
فالروسي سوف يتخلى عن نظامكم البائد، لأنه لا يتحمل الجرائم الإنسانية التي يرتكبها النظام السوري ضد شعبه، أما القوة الإيرانية التي تساعدكم في استمرار البطش والعنف لبسط سيطرت النظام، لا يمكنها أن تدوم طويلا لأسباب دولية عديدة. .
سيادة الرئيس بشار الأسد لبد أن تنتبه جيدا، "ففي العراق أنزلت تماثيل الراحل صدام حسين عندما سقط نظام البعث الشقيق،وانتهى صدام حسين ،وتم العبث بالدولة ، والانتباه أيضا إلى حالة خاصة جرت أثناء انسحاب الجيش السوري من لبنان عام2005 م ،لقد تم تفكيك تمثل باسل الأسد من قرب حاجز للجيش السوري في البقاع اللبناني،وسحب إلى سورية قبل انسحاب القوات السورية،لأنه فرض هذا التمثال رغما عن إرادة الشعب اللبناني، لكن الملفت للنظر في سورية يتم تفكيك تماثيل الراحل حافظ الأسد وتحرق الصور، بوجود نظام البعث وسيطرت بشار الأسد السياسية وماهر الأسد العسكرية والأمنية.
يجب أن يعرف سيادة الرئيس بشار الأسد، الحالة التي تسود سورية الحرة، هي حالة تغيرية جذرية في حركة المجتمع السوري وتركيبته الاجتماعية، المطلب بالتغير وإسقاط النظام السوري ورحيل الرئيس بشار الأسد .
لقد انتهى النظام السوري البعثي،نظام الشمولية والاستبدادية، انتهى الرئيس الأسد ، ومن الأفضل له ان يبحث عن مستشفى خاص للعيون يعمل فيه ويشخص أمراض العيون ،ليته ينجح كطبيب ،بعد أن فشل كرئيس للجمهورية العربية السورية. والفشل ليس عيب في حياة الشعوب وإنما العيب الاستمرار في تكرار الأخطاء.
د.خالد ممدوح العزي
صحافي وباحث إعلامي،و مختص بالإعلام السياسي والدعاية.
Dr_izzi2007@hotmail.com