الاثنين، 13 يونيو 2011

بوابة فاطمة

بوابة فاطمة
 بوابة فاطمة، اسم اقترن ببلدة كفركلا، هذه البلدة الجنوبية الحدودية الملاصقة للشريط الشائك، دخلت التاريخ من أبوابه العريضة، فعانت الكثير من الحرمان والإهمال خلال عقود من الزمن، تعرضت لمخاطر كبيرة ما زالت حتى اليوم نظراً لموقعها الجغرافي الملاصق للحدود الدولية التي تفصلها عن الأراضي الفلسطينية المحتلة·  الطريق العام يفصلها عن مواقع العدو الممتدة على طول الطريق الذي يربط مستعمرتي المطلة ومسكاف عام، هذا الموقع جعل الحياة فيها صعبة وخطرة وأشبه بالمستحيل، ناهيك عن الحرمان المزمن عانته خلال فترة الحكم اللبناني قبل التحرير، فهي ما زالت تعاني من مخاطر ومشقات وضيق العيش فيها، فكانت منذ زمن بعيد مقبرة لجنود العدو الصهيوني في العام 1948 ، الذي حاول اجتياحها في تلك الفترة، وعاود الكرة في العامين 1975 و 1976، وأكبر دليل على همجية العدو “بوابة فاطمة” الشاهد الكبير على مأساة أهاليها، فهذه البوابة التي أصبحت من الأماكن السياحية في لبنان بعيد التحرير، تحمل الكثير من معاناة أبناء كفركلا·
تسمية بوابة فاطمة وقصصها الثلاثة :
 -القصة الاولى كانت “بوابة فاطمة” بالأساس وقبل وجود الكيان الإسرائيلي المعبر ما بين لبنان وفلسطين، وعندما جاء الاحتلال الإسرائيلي، بدأ الشباب المناضلون بالقيام بعمليات نضالية، وكان يساعدهم بعض الفتيات ،وفي احدى العمليات جاءت احدى النساء ومعها ابنتها الصغيرة فاطمة، وعندما وصلت إلى المنطقة وقعت معركة عنيفة وخلال المعركة فقدت المرأة ابنتها التي لم يتجاوز عمرها السنتين، وبدأت تبحث عنها وسط الرصاص وتصرخ: فاطمة ·· فاطمة، إلى أن أصيبت ولم تهتد إلى فاطمة·
-القصة الثانية التي يرويها اهل الضيعة ويعرفها الجميع بان فاطمة هي فتاة جنوبية كانت تعمل في مقرالحاكم العسكر الذي كانت البوابة مقر إقامته والتحكم بمصير أهالي المنطقة التي كانت تعرف بالحزام الامني ،وعندما كان جنود الاحتلال يرفعون الحبل الحديدي لفتح البوابة كانون يصرخون جئت فاطمة وعند عودتها المسائية كانوا يصرخون افتحوا البوابة خرجت فاطمة ومابين الخروج والدخول كان اسم فاطمة يتردد بصوت جهور عالي فاطمة خرجت فاطمة دخلت فباتة البوابة تعرف باسم بوابة فاطمة.
-أم القصة الثالثة التي تقول في إحدى أيام العام 1976 دارت معركة بين قوات الاحتلال والفدائيين الفلسطينيين في خراج بلدة كفركلا وكان في الخراج أهلي من القرية يقطفون الدخان المزروع في الصباح الباكر ،فأصيبت إحدى الفتيات التي نقلت إلى الداخل الفلسطيني عن طريق هذا البوابة وتم معالجتها ومن ثم أعيدت الفتاة إلى قريتها عن نفس المعبر الذي أطلق عليه اسم فاطمة تيمنا بالجريحة فاطمة التي  دخلت وخرجت من خلال تلقيها  العلاج في الداخل الفلسطيني،وهي اليوم حية ترزق ومتزوجة في إحدى القرى المجاورة ولا تسمح للصحافة بأخذ إي معلومة عن هذه الحادثة .  
هذه البلدة الجنوبية، أنطبع اسمها في نفس رئيس بلديتها السابق  أحمد فقيه، ومنذ أن فتح عينيه على الحياة كانت صورة البلدة بكل ما حباها الله من جمال وبهاء وخيرات، راسخة في فكره فهي الحياة بالنسبة له، لم ير سواها أو يعرف بديلاً لها، وبقيت تلك الصورة مع مرور الزمن محفورة في أعماقه وتشده إليها خصوصاًً في المهجر حتى تحقق حلمه أخيراً في ترجمة أفكاره وطموحاته وتطلعاته على أرض الواقعفي العام 2001 عندما انتخب رئيسا لبلديتها وحاول تنفيذ مشاريع كبيرة حرمت منها البلدة طوال سنين الاحتلال التي جثمت على أرضها وتحكمت بأهلها طول سنوات الاحتلال .
البلدة كانت مهملة وتفتقر إلى البنية التحتية الكاملة، فالإسرائيلي أثناء وجوده في المنطقة عمل في مسافة صغيرة تتراوح بين ثلاثة كيلومتر طول وعرض كيلو متر واحد ، عم الازدهار هذه المسافة  فأصبحت البوابة عاصمة الشريط الأمني الاقتصادية ،فالعدو الصهيوني كان يمد المنطقة المحتلة بكل اللوازم من خلال التجار الإسرائيليين الذين ركزوا كل تجارتهم على هذه البوابة ومنها تم التواصل مع التجار اللبنانين الذين تمتعوا بأهمية الاحتلال ، على البوابة  نصبت خزانات الوقود ،وجهزت بردات الخضار والفاكهة ،وبنيت المستودعات الغذائية الكبيرة  ،من هذه البوابة دخل  اللبنانيون الذين عملوا في الأراضي الفلسطينية المحتلة وساحوا فيها من خلال تصاريح خاصة  جهزت لهم خصيصا،للدخول إلى الأراضي المحتلة ،من البوابة فاطمة  تم نقل المقاومين الذين وقعوا في الأسر لدى دولة الاحتلال وتم حبسهم في المعتقلات الكبيرة على الأراضي الفلسطينية ،على هذه البوابة أقامت إسرائيل مقر  حاكمها العسكري الذي حكم المنطقة الأمنية وفقا لقانون الاحتلال ، وكذلك نقلت الإذاعة ،إذاعة لحد كم كان متعارف عليها في الشريط الأمني خاصة ولبنان عامة او "إذاعة لبنان الجنوبي " من مقرها السابق بعد تعرضها لهجوم عسكري كبير من قوات المقاومة الوطنية اللبنانية في العام  1986 عندها تم نقلها إلى منطقة البوابة وثم  تجهيزها بأحدث التجهيزات الالكترونية لتبث إلى قرى الشريط الحدودي والمناطق المجاورة،وعلى هذه البوابة تتواجد المخابرات العسكرية الإسرائيلية التي تقوم باعتقال المواطنين والمقاومين وإرسالهم إلى سجون الداخل الفلسطينية،فان أهمية البوابة تكمن بكونها أصبحت دولة صغيرة تديرها دولة أخرى،عندها ارتفع متر الأرض في بلدة كفركلا ليصل  الى  50إلف دولار بسبب نشاط التجارة الحرة على مختلف إشكالها  بين الداخل المحتل والوطن الصغير الأسير،لتتطور إلى تجارة مشبه وغير قانونية مثل تجارة المخدرات بين تلك البقعة الصغيرة وعالم إسرائيل الذي يهدف إلى إغراق الشباب وإبعادهم عن القضايا المصيرية ..
فبوابة فاطمة اذا  هي معبر حدودي ذاع صيته بعد تحرير الجنوب وهو المعبر الوحيد المتبقي من أصل 9 بوابات أنشأها الاحتلال منذ احتلاله للجنوب في عام 1976، إلا أن بوابة فاطمة ظلت البوابة الوحيدة، التي ربطها المحتل بالاراضي الفلسطنية المحتلة  التي تمثل حكايا الحرب والناس معا  على بوابة فاطمة لما تمثله من رمزية ودلالة معنوية ومكانية لدى أهل لبنان والجنوبيين بشكل خاص، فبوابة فاطمة، والتي قُصد بفتحها كي تكون بوابة لقبول الاحتلال والتعايش معه، أصبحت اليوم قضية تشهد على اندحاره ورفضه، فغدت البوابة محطة يزورها الناس من كل حدب وصوب  ليشهدوا نهاية الاحتلال الصهيوني عام 2000، حيث صار يرجمها كل من زار البوابة تأكيداً على رفض الاحتلال، من البوابة الأساسية لعدم قبل الاحتلال والتطبيع معه من خلال الاعتصامات والتظاهر والاعتراض،لقد زارها العرب وقذفوا حجرة صغيرة على المحتل تضامنا مع أهلنا في فلسطين ومع أطفال الحجارة الذين يعبرون عن رفضهم للاحتلال كل يوم من خلال الحجر الذي يواجه كل أسلحة إسرائيل والعالم  من هذه البوابة بوابة الحكايات التي ينسجها الواقع اللبناني، واقع الجنوبيين الصامدين، وواقع الحرب التي تشنها اسرائيل ضد المدنيين والعزل. لكن البوابة باقية تشهد على كل الجرائم العدوانية التي ارتكبتها اسرائيل ومازالت ترتكبها بحق اللبنانيين والعرب والفلسطيني لان البوابة هي صورة الرفض العربي للغطرسة والعجرفة الإسرائيلية التي تمارس يوميا من خلال الاستكبار الصهيوني ،ضربة السلام والحقوق المشروعة العربية عرض الحائط،سوف تبقى البوابة ألوجهه الحقيقية العربية التي تناصر الشعب العربي الفلسطيني في قضيته وتمكنه من بناء دولته المستقلة على أراضي 1967 حسب مبادرة بيروت العربية للسلام،وسوف تبقى البوابة الصفحة البيضاء التي تكشف الجرائم الصهيونية بحق شعبنا العربي طالما إسرائيل تماس غطرستها وعنجهيتها.
د.خالد ممدوح العزي
كاتب وباحث إعلامي ،مختص بالإعلام السياسي والدعاية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق