الخميس، 29 نوفمبر 2012

الأغنياء الأجانب في الاتحاد السوفياتي السابق وروسيا البيضاء :التاريخ وَ الآفاق...!!!





الأغنياء الأجانب في الاتحاد السوفياتي  السابق وروسيا البيضاء :التاريخ وَ الآفاق...!!!

إنّ رجال الأعمال الأجانب في روسيا البيضاء ينحدرون من حقبة الاتحاد السوفياتي وَ مرحلة التسعينات التي عقبت النقطة المفصلية في تاريخ الجمهوريات السوفياتية – وَ يُمكن تقسيم الأغنياء الأجانب إلى عدة مجموعات:
الطلبة السوفيات: تمتع الطالب الأجنبي في المرحلة السوفياتية بصلاحيات جمة، فكان قادرا على مُغادرة الحدود السوفياتية في أي وقت يُريد يكفي فقط تقديم هدية لعميد كلية الطلبة الأجانب ليُوقع له تأشيرة مُتعددة الرحلات خلال سنة كاملة، وَ هنا تبدأ المُغامرة التجارية – الطالب الأجنبي يتحول في لمحة البصر إلى تاجر الكمبيوترات وَ الكافيار وَ كثير من السلع.
فالعديد من الطلبة الاجانب من  تابع دراسته بإحدى جامعات الاتحاد السوفياتي  وكان يُغادر إلى سينغافورة ليشتري الكمبيوترات الثمينة وَ ثم يُعيد ليبيعها في المؤسسات السوفياتية، وَ في نفس الوقت يقوم بشراء السلع السوفياتية المختلفة من صحون إلى ماكينات وَ حتى سيارات وَ يُحمّلها إلى موسكو عن طريق القطار وَ ثم عن طريق الشحن الجوي على أجنحة الخطوط السوفياتية "أيروفلوط" ينزل بها الى وطنه – طبعاً من أجل الشحن يتطلب عليه أن يحصل على ما يُسمى بتأشيرة الرحلة الأخيرة و تُقدم من طرف سفارة الوطن بعد الحصول على الدبلوم وَ هي تُقدّم مرة واحدة خلال كل البعثة الدراسية، وَ كما هو معروف في تلك الفترة كثير من الشباب الحاصلين على الشهادة لا يملكون الإمكانية المادية لتحميل السلع إلى الوطن، وَ هنا يأتي دور السمسار الذي يقوم ببيع هذه التأشيرة وَ يتم تحميل البضاعة باسم "المُهندس الفقير" أو "الدكتور الذي لا يحسن مهنة التجارة" وَ ما أكثرهم في تلك الفترة.
من جهة أخرى كان الطلبة وَ خاصة المشارقة (الشرق الأوسط) يُتاجرون بالقماش وَ الفواكه وَ الخضارَ التي يُحضرونها   من الشام أو تركيا وَ قد استثمروا الظرف السوفياتي للكسب السريع وَ كما قام البعض بممارسة تجارة الحديد مباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وَ لقد تزامنت تلك الفترة بمرحلة التعمير وَ البناء التي عرفها العراق، لُبنان وَ بعض الدول المُجاورة في المنطقة، كما اختص البعض من هؤلاء الطلبة في تجارة الأبقار وَ اللحوم، إضافة إلى الحبوب و حتى الصقور.
طالب فقير أصبح غنيا: وَ لكن الطالب الذكي هو الذي يبدأ نشاطه التجاري بالبحث عن معارف في أجهزة الدولة وَ مُصادقة صانعي القرار، ففي تلك المرحلة كثيرٌ من رجال الحزب الشيوعي كدسوا أموالا طائلة وَ لكنهم لا يريدون الظهور على ساحة الأعمال وَ منه فإن المواطن الأجنبي يُعتبر فرصة سانحة لتمرير صفقات مهمة على المُستوى الدولي، حيث يقوم الطالب الأجنبي أو المُتخرج بتسجيل شركة مشتركة وَ ثمّ يتفق مع "صاحب المصنع" ليأخذ البضاعة ديناً بشرط أن يدفع بعد أن يتم تصريفها في الأسواق هناك أو بعد أن يتم الدفع في البلد الأجنبي، فكل الوثائق قانونية وَ شرعية وَ لكن "المدير الأحمر" يأخذ عمولته من الطالب بطريقته الخاصة: يُفتح له حساب مصرفي جاري في أوروبا أو في أي بلد آخر وَ تحول الأموال المُتفق عليها منذ البداية. وَ من جهة أخرى المواطن الأجنبي يكسب حصانة كبيرة وَ حماية من مؤسسات الدولة، لأنّ ارتباطه برجال الأعمال الأغنياء الأجانب وَ هم كذلك يرتبطون بمنظومة هرمية لنظام الحكم هناك، فالدولة طبعاً تستعمل هؤلاء الأجانب لتمرير صفقات بطابع آخر وَ يبقى هذا الالتزام على مدى الحياة.
رجال أعمال قدموا جددا: أغلبية ممثلي هذه الفئة لم تكن لديهم خلفية واسعة و تجربة في العمل التجاري وفقاً للمعايير السوفياتية، إما سقطوا ضحية المافيات أو نُصب عليهم من طرف ابن جلدتهم بالتنسيق مع العصابات المُختصة أو حتى مع الشرطة أو مصلحة الضرائب،  تجربة تجارة الدخان في العام 1993- 1994كانت تجربة مريرة كثير من الشباب وَ رجال الأعمال، أوجد "النصابون" طرقا عديدة للحصول على المال السريع منهم  من كان صديق "الشاب المحلي" ومنهم من ساهم بالنصب والخطف لرجل الأعمال الذي يقدم في زيارة عمل وَ ثمّ يتحول إلى رهينة بسعر خيالي يصل إلى ملايين الدولارات – وَ ما أكثر تلك الحيل منهم من كان  يقبع في عنبر شباب الشيشان وَ صديقه الاجنبي  يجلس في المطعم مع أصدقائه وَ هو يحمل صندوق كامل للهاتف النقال وَ يجري اتصالات وَ هو يذرف دموع التماسيح " وَ لكن الأهم هو إنقاذ البوليس .." – وَ حتى أن البعض قاموا بلبس ماسكات (أقنعة) وَ عارضوا طريق ضيفهم الغني وَ أطعموه ضرباً بارحاً وَ ذلك يصرخ "إنقذني يا شباب ..."، كما أنّ الكثير يسحبون بضاعة بالجملة وَ ثمّ يختفون في الظلام إلى أن يصبحوا بدون مأوى أو رمق حياة.
تجار اللجوء السياسي: أما بالنسبة لهذه الفئة فحدث وَ لا حرج، فكما سبق وَ أن ذكرنا فقد تزامن انهيار الاتحاد السوفياتي وكثير من الازمات السياسية في المنطقة المجاورة للفضاء السوفياتي وَ القارة الإفريقية –  هنا كانت تعمل شبكة كاملة من "النصابين" المُحترفين الذين كانوا  يسحبون جوازات السفر من العائلات بحجة شراء تأشيرة إلى أوروبا للحصول على اللجوء السياسي وَ لكن "السمسار" يجمع من كل عائلة ليس أقل من ألفين دولار وَ يختفي بنفسه إلى حين.
تجار الدين وَ القضية: توجد فئة أخرى فريدة من نوعها استغلوا الظرف التاريخي في لانهيار الفضائي السوفياتي  وَ أسسوا جمعيات خيرية وَ بواسطتها استلموا الدعم المادي وَ المعنوي من بعض الدول المانحة، وَ لذلك نجد أن تجار هذا التوجه يرتبطون ارتباطا وثيقاً بالتنظيمات الإغاثية الخيرية، فكثير من الماعونات تتحول إلى بضاعة في الأسواق المحلية.

أصحاب المهنة: لكن الشباب الناجحون فهم من يُتقن حرفة ما أو يُحسن التعامل مع البشر وَ الوثائق وَ مُتمكن من اللغة المحلية وَ ضليع في أمور التشريع و القوانين الجبائية وَ الجمركية، فالشاب الذي يصلح محركات السيارات أو يعرف مهنة الطبخ أو الترجمة الحرفية أو أنه ينشط في مجال التغذية العمومية وَ غيرها من الأمور، فهؤلاء الشباب بقوا في الساحة وَ كثيرا منهم يترددون على الحفلات وَ الفعاليات الرسمية يُمكن رؤية صور بعضهم على موقع
مختلفة في دول الكومنولث الجديد.

د.خالد ممدوح العزي
 كاتب ومختص بالشؤون الروسية ودول الكومنولث
Dr_izzi2007@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق