الجمعة، 13 مايو 2011

روسيا و ملف إيران النووي في ظل الخلافات الإيرانية – الأميركية

روسيا و ملف إيران النووي
في ظل الخلافات الإيرانية – الأميركية
د. خالدممدوح العزي ألعزي - روسيا
بعد التصريح الشهير عام 2007 م. لوزير الخارجية الفرنسي كوشنير "على العالم انتظار حرب مع إيران لامحال منها" و بعد التهديدات الأميركية المستمرة باتجاه إيران المختلف عن سابقاتها،من خلال الجزرة والعصا، و في ظل ترتيب الوضع العراقي من قبل الإدارة الأميركية ،والذي أشار إليها الرئيس اوباما بان الانسحاب سينتهي في آب من العام القادم ، جاءت العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الأمم المتحدة على إيران أشخاص وشركات للحرس الثوري الإيراني، وأيدتها كل من روسيا والصين إلى حل أزمة الملف النووي الإيراني بالطرق الدبلوماسية،لكن روسيا تغيرت تدرجيا من الموقف الحامي للملف النووي إلى المؤيد للعقوبات المختلفة خاصة بعد العرض الدولي الذي قدم الى إيران:" تبديل الوقود النووي بآخر مخصب وموضب تحت الإشراف ، الروسي والفرنسي ". وهذا العرض المقدم هو بالأصل عرض روسي لإيران بما يخص الوقود النووي، الذي لم يأتي هذا العرض من فراغ ،والذي رفضته إيران،والتي لاتزال إيران تناور بقبوله، ولهذا السبب دفع البعض في موسكو إلى التساؤل عما اذا كانت موسكو قررت تجميد الأجندة الزمنية لتشغيل المحطة أو الانتظار لما ستسفر عنه التطورات السياسية وربما العسكرية في المنطقة، خصوصاً حول إيران. بعدما بدأت تتصرف مع المجموعة الدولية بانها هي صاحبت العرض الزمني وعليهم التفكير بعرضها المقدم لهم . وعلى الرغم من ان المــسؤولين الروس يصرون على رفض هذا الربط ويحـــملون طهران مسؤولية التأخير، لكن محللين كثر يرون ان المسألتين مرتبطتان ويذهب بعضهم إلى اعتبار الخلاف المالي مجرد ذريعة لتغيير الموقف الروسي.
يأتي التصريح الأخير لروسيا:" القائل بان روسيا سوف تنهي موضع تسليم المفاعل في نهاية السنة القادمة"،أما من ناحية ثانية يتزامن عرضها ،هذا مع خطاب وزير الخارجية الروسية :"سرغي لافروف القائل بان على إيران إن تحسم قرارها بشأن موضوعها النووي لان العالم لم يعد يحتمال الانتظار ". وكذلك عدم استقبال المفاوض النووي سعيد جليلي في موسكو، لان روسيا أضحت على علم كامل بان إيران منورا ممتاز، ومن هنا يأتي الانذار الروسي لايران بان عليها الموافقة لانها لم تعد تستطيع فرض الغطاء ،أو الاستقواء بها بسبب الرغبة الدولية بإنهاء هذا الملف. ومن ناحية أخرى هذه إشارة واضحة من جانب روسيا للغرب بانها موافقة على فرض عقوبات اقتصادية فقط حتى لو لم تصوت عليها نظرا للعديد من الاعتبارات ،ولكن ستعمل على الالتزام بها. من المعروف ان تعاون موسكو وطهران في مشروع "بوشهر" الذي مر بمنعطفات خلافية كثيرة منذ بدأ الخبراء الروس العمل على إعادة تشيد المحطة في العام 1995، وكانت مسألة الوقود النووي إحدى ابرز المشكلات التي أسفرت عن تعليق إعمال البناء لفترة طويلة حتى وقع الطرفان برتوكولاً إضافياً يلزم الإيرانيين بإعادة الوقود المستخدم إلى روسيا بعد الانتهاء من تشغيله،فبحسب الاتفاق الروسي – الإيراني، تبدأ موسكو تزويد المحطة بالوقود النووي قبل ستة أشهر من حلول موعد الإطلاق التجريبي لعملها،. لكن الخلاف انتقل من خلاف فني إلى تبادل للاتهامات وتهديد بوقف المشروع نهائياً. وعلى رغم جولات الحوار لم يطرأ أي تغيير على مواقف الطرفين المبدئية، فالجانب الروسي ما زال يعتقد بأن التأخير في أعمال البناء سينعكس أوتوماتيكياً على مواعيد تشغيل المحطة، ما يعني تأجيل تشغيل المحطة الى اجل غير مسمى. فإذا كانت أميركا ترفض امتلاك إيران للقنبلة النووية فهذا لا يعني ان روسيا تستطيع إن تحمي إيران والانجرار في حرب ضد أمريكا من اجل القنبلة الإيرانية التي تحول إيران استعمال روسيا في حربها ضد أمريكا، فعدم الاستجابة الإيرانية للعروضات،الروسية بقيت بحد ذاتها في السياسة الإيرانية الباردة، لاعتبارات إيرانية خاصة ترفض الوقوع في الفلك الروسي كليا لان إيران تناور مع أمريكا ومصحتها معها في الاعتراف بدورها وقوتها الإقليمية ، لروسية أماكن جيو-سياسية أخرى من اجل التجاذب مع أمريكا عليها " الدرع الصاروخية في أوروبا وعلى حدودها، وقضية إقليم كوسوفو وتوسيع الناتو في أوكرانيا وجورجيا، تعتبر هذه القضايا أهم بكثير من إيران ومشكلة ملفها النووي .
- روسيا التي لا تريد الاختلاف مع العالم الإسلامي والعربي خاصة وفي الوقت ذاته غير راضية عن السياسة الأمريكية وتعاملها مع العالم كله، بأحاديتها الخاصة .
-روسيا لا تريد الانجرار إلى حرب باردة جديدة تدخل العالم بها من جديد، فالمثل الروسي القائل "كل شيء جيد بالنسبة لأمريكا هو غير جيد لروسيا" بالرغم من الروائح القادمة من البوابة الأميركية لهذا السباق .
-روسيا التي لا تحبذ ملوك إيران القنبلة النووية،مراعاة لأصدقائها في الأمم المتحدة في أوروبا وأمريكا .
روسيا لا تريد الدخول في حرب ضد أمريكا ودول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ، بحرب ليست حربها بالأصل ا.-
روسيا لا تحبذ إن تدب الفوضى على الجانب الجنوبي لحدودها الإقليمية مع الجمهوريات الإسلامية التي تعتبرها مركز نفوذها التاريخي .
- إما الدبلوماسية الإيرانية التي تعمل على المناورة والمراوغة في قضم الوقت المتاح لها " مابين الهامش الموجود في الفضاء الروسي والأمريكي"، وتقوم بدورها بإدارة المعركة بطريقة دبلوماسية جيدة ، مستغلة، العلاقة الفاترة بين القطبين.
 -إيران التي لا تريد الانضواء تحث العباءة الروسية والاستناد عليها كاملة، وهذا ما لا يخول روسيا بفرض الشروط عليها أو إلزامها بشيء، وهذا الهامش الذي يخول ايران بفتح قنوات التفاوض والاتصال مع واشنطن عندما يكون الوضع اصبح مناسب لها ، من خلال صفقة عقد تعقد مع الأمريكي يحقق الإيراني فيها مكاسب سياسية واقتصادية .
ففي كل الأحوال يبقى الموقف الروسي واضح من السلاح النووي الإيراني، ففي حال تعرضت إيران لضربة عسكرية بالطبع روسيا لن تكون مؤيدة لها،وغير راضية بها،ولكنها نامت قريرة ومرتاحة الضمير أمام العالم عامة و إيران خاصة، وفعلت ما بوسعها لأنقاض الموقف، ولكن إيران لم تستجب لها بسب تعنتها .
فالسؤال الذي يطرح نفسه اليوم ان أمريكا على قوب قوسين من الحكم على السياسة الإيرانية أو إعطاءها دور إقليمي (وهذا يعني إن إيران قد تكون وصلت فعليا إلى ما هي تريده من مغازلة أمريكا طوال هذه الفترة الماضية) ،أو الدخول في حرب ضدها فيما بعد يحددها سيناريو المواجهة.
صحيح إن إيران، وفقاً للعديد من المعلومات تستشعر الخطر أكثر من أي وقت مضى، فالصحيح أيضاً هو إن إيران "تراهن" على "استحالة" إقدام الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على المواجهة معها، لأنها تراهن على ألا تضيف أميركا إلى جبهاتها المفتوحة في المنطقة جبهة جديدة معها. وتراهن مع تزايد الاعتراض داخل أميركا على الحرب في العراق، على إمكان "النفاذ" من "خرم الشَبك".
هذا يعني أن الحرب الأمريكية هي قائمة وقادمة ولكن ماذا الذي يمنع حدوثها ،هل إن السياسة الأمريكية تنتظر إلى أخر لحظة بسبب فلسفتها البرغماتية. فالسياسة الإيرانية التي بدأت تصعد هجومها في الفترة السابقة ضد أمريكا وسياستها في المنطقة مما مكن السياسة الأمريكية بدورها طوال هذه الفترة من الاستفزاز الفعلي للسياسة الإيرانية من حشد عدة عوامل تستطيع من خلالهم النظر باتجاه إيران والتعامل مع أزمتها :
1- تجيش العالم الإسلامي والسني عامة والعالم العربي خصوصا من الهاجس الإيراني الجديد الذي يحتمي بصناعة قنبلة نووية بوجه الأكثرية السنية والعربية. طبعا كل هذه الهواجس من خلال الممارسة الإيرانية في الدول العربية وسيطرتها على مواقع عديدة في الشرق الأوسط من اجل تحسين مواقفها في المفاوضات الأميركية الإيرانية،المقبلة .
2-نجحت أمريكا فعليا بتأثير العلاقات بين روسيا وإيران وإيصال الخلاف إلى العلن، وتكون روسيا بدورها، قد تخلت عنها مفضلة عدم المواجهة مع الجميع نتيجة التعنت في المواقف الإيراني السياسي وهذا ما كانت تسعى إليه إيران في استخدام العلاقة فيما بينهما بشكل غير سليم وعدم استجابة طهران إلى عروضات موسكو بشأن حل مشكلة المفاعل وتشغيله،،،فإيران فعليا أصبحت اليوم عبئا ثقيلا على روسيا .
3- نجحت أمريكا بالضغوط على إيران من خلال الأمم المتحدة والإجماع العام داخل هيئة الأمم المتحدة على فرض حصار اقتصادي وعسكري على إيران والتي أيدته والتزمت به كل الدول بما فيهم روسيا والصين.
4-نجحت الإدارة الأمريكية على المستوى الدولي، بان تجعل إيران خطرا فعليا على الجميع من خلال ملفها النووي وتوجهاتها ورعايتها للإرهاب الدولي، ووضعت منظمة الحرس الثوري وشخصيات سياسية واقتصادية، على لائحة الإرهاب الدولي و يعني هذا إن إيران وضع بطريقة غير مباشرة كلها على اللائحة.
5- نجحت أمريكا فعليا في تجنيب إسرائيل من الدخول مباشرة على خط المواجهة مع إيران والذي يحول المعركة إلى تقوية الدور الإيراني "الإسلامي والعربي"حولها بالرغم من المسرحية التي دار عرضها على الاراضى اللبنانية في تموز عام2006 وكان إبطالها كل من إسرائيل وحزب الله، حرب عزة الأخيرة عام 2008.
6- نجحت إدارة اوباما في العمل على طرح سياسة جديدة في التعامل مع إيران من خلال استخدم الأمم المتحدة وإدخالها بالمواجهة المباشرة عبر العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على إيران .
7- تحويل المواجهة مع إيران إلى مواجهة دولية تأيدها كل الدول العالمية بما فيها روسيا والصين من خلال نفذ صبر المجتمع العالمي من إيران بسبب مراوغتها السياسية، وهروبها إلى الأمام وعدم الاستجابة للشروط الدولية من خلال الرزمة المقدمة لها .
7- ان المجتمع الدولي الذي يراهن اليوم على تغير النظام الإيراني من الداخل بسب الحالة الداخلية ، التي باتت تسيطر على إيران منذ عملية الانتخابات الرئيسية العام الماضي والانقسام الحاد داخل المجتمع الإيراني .
طبعا تعود الحالة كلها في وصول الوضع إلى ما هو عليه نتيجة الخطاء الإيراني في التحليل السياسي أو في الدراسة الجيو-سياسية للدول العالمية والى نوع الحلفاء الذي يجب الارتكاز
إليهم.
أم أمريكا التي أخذت بدورها القرار النهائي إن كان لضرب إيران أو التفاوض معها،فالطموح الإيرانية الداخلي والحب الى لعب دور عالمي يبقى الأساس ،وهذا ما بدء يظهر في تصرفات السياسة والسياسيين الإيرانيين بأنهم القوة التحرورية في العالم في مواجهة قوة الشر الممثلة بأمريكا وأوروبا .
هذه المواقف كلها اليوم مع إيران تذكرنا بالمواقف السوفياتية السابقة، في أخر أيام الإمبراطورية( الروسية السوفياتية)، عندما بدأت تتكلم فقط فوق العادة والمألوف .
فالظروف الخارجية التي أدت الى انعكاسها على السياسة الداخلية الإيرانية هي نفسها مع الروس سابقا،وهذا ما عبر عنه في النقد الموجه من قبل الرئيس السابق محمد علي خاتمي الى الرئيس الحالي محمود احمدي نجاد.
لكن السياسة الإيرانية أكانت الخارجية منها أو الداخلية أصبحت على مدى خطوتين من الانهيار السريع وهذا يعود إلى إن القوة الإيرانية الخارجية والداخلية بنيت على أوهام اقتصادية بعيدة جدا عن البناء الاقتصاد السليم من عائدات النفط والغاز، فالسيطرة على العالم ليس من خلال هذا المخزون الطبيعي، فالاتحاد السوفياتي كان الأسبق في امتلاك هذه القوة ومع هذا انهار .
 - فإن أوهام قوة عسكرية غير موجودة تنعكس في سرق المخطآت العسكرية للصواريخ من روسيا أصلا أو شراء ها منها أو من كوريا الشمالية .
- وأوهام إيديولوجية أخرى كالعقيدة الإيرانية وتسويقها على الدول المجاورة وبناء الحكومات الإسلامية الثيوقراطية،(فكرة السيطرة -عقيدة ولاية الفقيه ).
 - أوهام السيطرة من خلال تحريك الطائفة الشيعية واحتلال مواقع عالمية، أو تحت شعار الصراع من اجل تحرير القدس،لأنها وضعت من اجل مطامع سياسية خاصة بها،ومن اجل دخولها في قلب القضية المركزية في الوطن العربي والإسلامي " القضية الفلسطينية" ولكن المواقف والمبادرات الأخيرة من العربية السعودية ،التي وعت جيدا الأخطار الإيرانية والنوايا السيئة لها من خلال تحسين مواقعها في المنطقة و حل مشكلها الآنية على حساب العرب والعروبة والإسلام . . .فهذا الذي بدء يظهر مؤخرا في لقاءات المسؤولين الايرانين – مع المسؤولين العرب (السعوديين ) في القمة السعودية – الإيرانية التي أنجزت تحت شعار العمل معا لعدم تسرب فتيل الفتنة الطائفية إلى المنطقة وهذه تجربة العراق – لبنان-غزة- اليمن،السودان والنووي الإيراني ....الخ
ــــــــ
*باحث إعلامي مختص بالشؤون الروسية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق